Menu

كنا سنكون أكثر سعادة لو رأيناهم يعودون أحياء       

حمدى فراج

حمدى فرج، كاتب فلسطيني

بيروت

لم تكن حماس مضطرة لا لأن تدافع عن نفسها من أنها أجهضت الصفقة المزعومة، ولا أن تتهم نتنياهو بذلك، فالداخل الإسرائيلي، الذي يبدأ من عند أهالي المحتجزين، مرورا بالمعارضة السياسية وانتهاء بأقطاب بارزين داخل الحكومة نفسها، يقولون ذلك، يقرونه على نحو علني مباشر، بأكثر من أسلوب، بما في ذلك التظاهر الذي لم يخل من بعض أشكال العنف . 

بعد إعادة ست جثث لمأسورين في ظروف بالتأكيد أنها قاسية، كما هي كذلك على آسريهم، مدة قاربت من السنة، أحدث هذا تطورا صادما داخل المجتمع الإسرائيلي، الذي خرج لأول مرة الى شوارع المدن بهذا الكم الكبير من المتظاهرين المناوئين لنتنياهو، والمطالبين بإبرام الصفقة خوفا على من تبقى من الأسرى، ولأول مرة أيضا يدخل على الخط الإضراب الشامل من قبل اتحاد النقابات العمالية والمهنية والطلابية .

لقد تماهي المجتمع الإسرائيلي بغالبيته الساحقة مع الخط المراوغ الذي انتهجه نتنياهو وأطراف حكومته المتطرفة، من أنه بالإمكان إعادة هؤلاء الأسرى بدون صفقة، فهم يملكون أقوى مخابرات في العالم ولديهم أقوى جيش وأشرس حكومة التي لا تعرف المساومة ولا المهادنة ، وتتوكل على الرب قبل أي شيء، الذي لن يخذلها ، وبالتالي ستنجح بطريقة أو بأخرى أن تعيدهم أحياء الى ذويهم وعائلاتهم وشعبهم، شعب إسرائيل الحي وشعب الله المختار.

وعلى فرض أن كتائب القسام هي من قتلتهم ، كما يدعي نتنياهو وجيشه، بعد أن اقترب كثيرا من مكان احتجازهم، هل كان يظن نتنياهو وشعبه، أن بإمكانه تحريرهم أحياء، ويتم قتل من يحرسهم أو اعتقالهم ، دون أن يقوم هؤلاء بقتلهم ؟؟.

إنه ليس الغباء السياسي المطلق فحسب، ولكنها نزعة العظمة الهستيرية العنصرية التي قاربت أن تتشارك الرب حكم الكون؛ أنت في السماء ونحن في الأرض، فترى في كل من يخالفها الرأي مخطئا مدانا ولا بد من محاربته، يحق له أن يبيد شعباً بأكمله من أجل معاقبة من هاجم إسرائيل في نصف يوم لسنة كاملة، وبعدها ينتقل لإبادة الضفة بدءا من شمالها. أو كان يظن أنه يستطيع قصف قنصلية إيران في دمشق واغتيال هنية في طهران، أو اغتيال القيادي العسكري الكبير في ضاحية بيروت الجنوبية، دون أن يتجرأ أحد على الرد. 

كنا في أوساط شعبنا الفلسطيني ومقاومته، سنكون أكثر سعادة، لو رأينا هؤلاء يعودون الى أحضان أحبائهم أحياء يرزقون، عوضا عن جثث في أكياس أو صناديق، كما حصل مع الصفقة الأولى، ذلك أن أسرهم لم يكن هدفا بحد ذاته، لكن وسيلة لإطلاق سراح أسرى فلسطينيين من مقاتلي الحرية، حريتهم وحرية شعبهم وأرضهم، وقد أبدوا خلف القضبان. لم تنفع أي وسيلة أخرى لتحريرهم، بما في ذلك السلام ومفاوضات السلام، بل إن مفاوضات السلام تلك، أسفرت عما هو أسوأ وأخطر؛ احتجاز الجثامين بعد الموت، ناصر أبو حميد وخضر عدنان مثالا.